عرض المقال
يا وزير التعليم.. حافظوا على صحة «المعرى» قبل أن تحفظوا شعره
2013-08-25 الأحد
أنا عاشق للغة العربية ومتيّم بجمالها ومغرم بفصاحتها ومحب ولهان لأدبها وبلاغتها ونثرها وشعرها، وعلى قناعة تامة بأن المقال الفاشل هو الذى يحمل أسلوباً ركيكاً ولغة ميتة ضعيفة حتى لو كان يدعو إلى أعظم الأفكار السياسية والأخلاقية ولا أحد يزايد علىّ فى هذا العشق اللغوى، ورغم كل ما سبق ورغم كل هذا الإعجاب والعشق والغرام للغتنا الجميلة فإننى أرفض وبشدة أن تكون درجة اللغة العربية فى الثانوية العامة سبعين درجة فى القسم العلمى، وهى أكبر مجموع درجات بين كل المواد الدراسية، أى أنها أكبر من درجة علوم الأحياء والكيمياء والفيزياء، وبالطبع اللغة الأجنبية الأولى! وهذا الرفع للدرجات والمبالغة فيه من ضمن ما تركته الأخونة فى وزارة التربية والتعليم، والذى لم يستطِع الوزير الجديد الاقتراب منه؛ لأن الطابور الخامس داخل الوزارة أوحى له وللجميع أن الانتقاص من درجات اللغة العربية هو انتقاص من لغة القرآن المقدسة، وهى عادة إخوانية ملخصها إفزاعك وإرعابك وتخويفك بشعارات كبيرة وضخمة لا تمت للواقع ولا للحقيقة بصلة مثل الجريمة التى كانوا سيقترفونها فى حق العلم وهى تعريبه بدعوى الدفاع عن الهوية وهم أصحاب السبق فى مسخ الهوية، وقبل أن يتهمنى البعض بأننى تغريبى كاره للغتنا المقدسة أورد لكم أسباب رفضى لتلك المبالغة الشكلية التى تحكم تعاملنا مع اللغة مثلما حكمت تعاملنا مع جميع الأشياء الأخرى فى جميع القضايا وعلى مستوى جميع المؤسسات:
أولاً: يحتاج الطبيب والصيدلى وخريج القسم العلمى إلى اللغة العربية بالطبع ليجيد التعبير عن أفكاره وتوصيلها، لكنه والمجتمع معه الآن وفى هذا الظرف الحضارى الصعب الذى تخلفنا فيه علمياً عن كل العالم نحتاج أكثر إلى ترسيخ المنهج العلمى فى التفكير ومنح درجات أكبر للمواد العلمية، خاصة ونحن نتعامل مع طلبة القسم العلمى الذين اختاروا الانخراط فيه، وربما يكون التحاق وانخراط بعضهم هرباً من عدم انسجامهم مع تلك المواد الأدبية ومنها اللغة العربية، ولا يعنى هذا إهمال وإهانة لغتنا العربية على الإطلاق.
ثانياً: من الخطأ، بل من الجريمة التى نقترفها فى حق أولادنا، أن نجعل معيار دخولهم كلية الطب أو الصيدلة هو مدى إتقانهم للبلاغة، ونجعل من مراهق ما زال على أعتاب الحياة الجامعية أن يتحدد مستقبله على نصف درجة فقدها نتيجة عدم معرفته للاستعارة المكنية أو الجناس الناقص! فيفشل فى الالتحاق بأمنيته وكليته المفضلة وحلمه المنتظر الذى سينبغ فيه لأن فصيلاً سياسياً غبياً وخائناً وتاجراً للدين احتل الوطن ذات ليلة وفرض تصوراته المتخلفة على مؤسسات الدولة وأخون تعليمها!
ثالثاً: هناك بُعد طبقى مفجع ومخجل فى هذا الكرم الحاتمى فى توزيع درجات اللغة العربية، وهو أن بعض الشهادات الأجنبية التى يلتحق بها أبناء الأغنياء والموسرين فقط تتعامل مع اللغة العربية بهامشية ولا تجلد طلابها بسوط اللغة العربية التى تأكل من تورتة درجات فقراء مدارس الحكومة الكثير والكثير.
رابعاً: اللغة الإنجليزية للأسف الشديد و«غصب عننا وعن آبائنا» هى لغة العلم الحديث، وما زالت لغتنا العربية متخلفة عن ركب اللحاق بالتطور التكنولوجى والعلمى ليس لعيب فيها ولكن لأن أصحابها صاروا مستهلكى علم لا مصدريه يعيشون عالة على حداثة العالم كزائدة دودية مهمتها الانفجار فقط!
خامساً: ليس برفع درجات الثانوية تكرم اللغة العربية؛ فتكريمها يتم بتدريسها بطريقة محترمة وليس بطريقة مقاولى الأنفار وبوتيكات الدروس وتحويلها إلى معادلات على طريقة «لو جالك كذا الطع جملة كذا، ولو لقيت بيت شعر قول يؤكد المعنى ويقويه، وخد العناصر دى فى موضوع التعبير عشان تجيب درجات أعلى وتضحك على المصحح»... إلى آخر هذا الدجل الذى يسمى تعليماً للغة! تكريم اللغة العربية يتم بالاختيار الصحيح للأدب الراقى الجميل المناسب لفهم التلميذ والذى يجعله يحب اللغة ولا يجعله كارهاً لها، لا يجعله مجرد حاصد درجات ينسى قواعد اللغة بمجرد الخروج من لجنة الامتحان.
سادساً: من الظلم والجور وعدم العدالة أن نجعل معيار الالتحاق بالجامعة للغة تصحيحها يخضع للمعايير الذاتية للمصحح ورأيه الخاص وذوقه اللغوى فى أحيان كثيرة وعدم إدراكه أن الدرجة التى يخصمها من رصيد الطالب فى التعبير أو البلاغة ستبعده مثلاً عن حلم كلية الطب لأن سيادة المصحح غير معجب بصياغة تلك العبارة أو هذه الجملة!!
نريد طبيباً يحسن التعبير عن نفسه باللغة العربية ولا نريده طبيباً فى جلباب أبى العلاء المعرى يجيد قراءة شعره ويفشل فى علاج بصره الأعمى!